Image Not Found

«التعمين» في إطار المركز الوطني للتشغيل

حيدر بن عبدالرضا اللواتي
[email protected]

لا ينكر المرء الجهود التي تُبذل من قبل الجهات المعنية لتشغيل القوى العاملة الوطنية في المؤسسات الأهلية التي تتبع القطاع الخاص في السلطنة، رغم أن بعض رجال الأعمال والمستثمرين يرون بأن يبقى سوق العمل حرا في اختيار القوى العاملة التي تحتاج إليها المؤسسات والشركات، خاصة الجديدة منها، لكي تستطيع الوقوف والمنافسة لاحقا أمام الشركات المماثلة في المنطقة. ورغم صحة هذه المقولة فإن تشغيل القوى الوطنية يحتاج إلى تنظيم أيضا لكي لا يبقى الباحث العماني عن عمل يرتاد مؤسسة إلى أخرى دون أية نتيجة إيجابية، وهو يرى أعداد الوافدين تتزايد عاما بعد عام في المؤسسات الأهلية، في الوقت الذي ترفد فيه الجامعات والكليات العمانية السوق العماني بآلاف من الطلبة في جميع التخصصات التي تحتاج إليها، بالإضافة إلى حملة الشهادات العليا من المؤسسات الجامعية الأجنبية.

ومن هذا المنطلق نرى اليوم بأن سياسة «التعمين» تحتاج إلى دفعة جديدة لكي تؤدي ثمارها وعملها في هذا الإطار، في الوقت الذي بدأت فيه أعداد القوى العاملة الوافدة في التراجع لتبلغ في نهاية شهر نوفمبر من العام الماضي 2018 1.735 مليون شخص وفق البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وشرطة عمان السلطانية. وكما هو معروف فإن الأغلبية من هؤلاء القوى العاملة من الذكور وبواقع 1.575 مليون شخص تقريبا، فيما تشكل الإناث رقما صغيرا تتمثل معظمها في القوى العاملة المنزلية والقطاع العائلي. كما أن هناك عددا من الوافدين في القطاع الحكومي يصل عددهم حوالي 58 ألف شخص.

وبالرغم من وجود العديد من جنسيات القوى العاملة الوافدة التي تعمل في السلطنة، إلا أن الأغلبية تأتي من ثلاث دول وهي الجنسية الهندية تليها البنغلاديشية ثم الباكستانية، حيث بلغ عدد هؤلاء بواقع 662 ألفا، و661 ألفا و218 ألف شخص على التوالي. ومعظم هؤلاء يتركزون في المهن الهندسية الأساسية والمساعدة التي ترتكز في أعمال الإنشاءات ومد الطرق وغيرها، بالإضافة إلى مهن الخدمات بما فيه القوى العاملة المنزلية.

إن إنشاء المركز الوطني للتشغيل وفق المرسوم السلطاني السامي رقم ٢٢ /‏ ٢٠١٩ سيعمل على تنظيم العديد من الأمور التي تهم تشغيل القوى الوطنية في البلاد سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة. ويأتي ذلك في إطار مبادرات البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ» التي تعمل على تحويل القطاع الخاص الى بيئة عمل أكثر جاذبية للقوى العاملة الوطنية، ومعالجة التحديات التي تحد من توظيف المواطنين في هذا القطاع، بالإضافة إلى استهداف جميع المبادرات لتحقيق مؤشرات جديدة في التشغيل خلال المرحلة المقبلة، خاصة في القطاعات المستهدفة الثلاثة لتحقيق التنويع الاقتصادي وهي قطاعات الصناعات التحويلية والسياحة والقطاع اللوجستي وفي جميع الأعمال التي ترتبط بمستويات المهارة الاختصاصية والفنية والماهرة. كما تستهدف هذه المبادرات في سوق العمل إلى سد الفجوة بين العرض والطلب في قطاع العمل من خلال مسارين متوازيين يتعلق الأول بتمكين الطلب وتلبية احتياجات أصحاب العمل، وذلك بتطبيق سياسات توظيف مرتبطة بالعمل الجزئي والمؤقت، وتعزيز مرونة حركة القوى العاملة وسياسات تعمين تدريجية وفق طبيعة كل قطاع وتنظيم إصدار تراخيص العمل.

إن من أهداف هذا المركز الجديد هو القيام بتوجيه وإعداد وتشغيل الباحثين عن عمل واستقرارهم وإنشاء قاعدة بيانات عن القوى العاملة وربطها إلكترونيا مع كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة (المدنية، والعسكرية، والأمنية)، ومنشآت القطاع الخاص وغيرها، وترشيح الباحثين عن عمل ممن تتوفر فـيهم شروط شغل الوظائف والمهن المراد شغلها فـي كل من وحدات الجهاز الإداري للدولة (المدنية، والعسكرية، والأمنية) ومنشآت القطاع الخاص، وبما يتناسب ومؤهلاتهم العلمية وخبـراتهم العملية، بالإضافة إلى تشجيعهم على الالتحاق ببـرامج التدريب لإكسابهم المهارات المهنية وفقا لاحتياجات سوق العمل. كما سيعمل المركز على متابعة السياسات والبرامج الخاصة بتشغيل الباحثين عن عمل فـي القطاعين، والتنسيق مع الجهات المعنية لتحديد أولويات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل بما يشمل دعم القطاعات الاستراتيجية والمشروعات التنموية من الكفاءات والمهارات الوطنية بجانب دراسة وتحليل الاحتياجات الوظيفـية للقطاعات الاقتصادية والتنموية والخدمية، واقتراح البرامج وخطط العمل لتمكين الكوادر الوطنية من شغل الوظائف والمهن المختلفة، بجانب اجراء البحوث والدراسات بالشراكة مــع مختلف الجهات التعليمية والتدريبية والتشغيلية لدعم تشغيل القوى العاملة الوطنية.

ورغم هذه الجهود المبذولة لتنظيم سوق العمل العماني، فإنها تحتاج إلى مزيد من الفهم والمتابعة لكي لا يعاني المستثمر من أي صعوبة في الحصول على الأيدي العاملة التي يتنظرها، وبحيث تكون هذه الأيدي العاملة متدربة ومؤهلة لاستلام مسؤولياتها في العمل المطلوب أداؤه، وتكون إنتاجيتها كبيرة أيضا. ولا شك أن هدف تشغيل العمانيين اليوم ينصب على المهن والخدمات التي يستطيع القيام بها، خاصة في التخصصات المهنية والفنية التي درسها وتدرّب عليها أثناء دراسته الجامعية وفي البرامج التي التحق بها.

إن القطاع الخاص العماني والمجتمع المدني المسؤول عن تنظيم العمل في المؤسسات الأهلية بالبلاد يؤكدان دائما على أهمية تواجد المورد البشري العماني لديهم، وضرورة وأهمية مراجعة وتطوير القوانين والتشريعات والقرارات التي تنظم سوق العمل ومنها «قانون العمل، وقانون التأمينات الاجتماعية، والحماية ضد التعطل، والتأمين الصحي الإلزامي» في البلاد وبمشاركة باقي أطراف الإنتاج الأخرى بما يتناسب مع متطلبات المرحلة. وهذا ما أكد علية الاتحاد العام لعمال للسلطنة في مؤتمره الثاني الذي عقد مؤخرا حيث أوصى المؤتمر بهذا الأمر بالإضافة إلى إبراز دور المرأة النقابية بشكل أكبر، من خلال التأهيل والتدريب والعضوية.

إن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز الحوار الاجتماعي مع أطراف الإنتاج الثلاثة وهي الحكومة والقطاع الخاص وأرباب العمل لتحقيق أقصى مستويات التعاون، والعمل على وإيجاد بيئات عمل جاذبة لتحقيق الاستقرار والأمان الوظيفي للأيدي العاملة الوطنية في القطاع الخاص العماني وصولاً إلى تحقيق التنمية المستدامة. وهذا ما أكد عليه الاتحاد في توصياته، مطالبا بضرورة الاستمرار في عقد برامج تدريبية مشتركة للأيدي العاملة الوطنية مع بقية أطراف الإنتاج والمؤسسات الأخرى، وتعزيز الحوار الاجتماعي البناء لاستمرار القوى العاملة الوطنية في تقديم المزيد من الإنتاجية والعطاء في عملها اليومي.

العمانيون يتطلعون الى أن يقوم المركز الوطني للتشغيل بواجباته في عملية تشغيل القوى الوطنية الباحثة عن عمل والتي تزداد أعدادها عاما بعد عام لتشمل اليوم جامعيين ينتظرون دورهم للحصول على فرصة عمل في بلادهم، وهم يرون هذه الأعداد الهائلة من الأيدي العاملة الوافدة تتدفق على مؤسسات القطاع الخاص. وهنا نتوجه أيضا بنصيحة إلى الراغبين في العمل في القطاع الخاص بضرورة احترام قوانين العمل وتعزيز إنتاجيتهم والاستقرار في الوظائف المتاحة لهم، وعدم الدوران لأن ذلك يؤدي إلى خلل في نظام العمل والتشغيل، وإيجاد بيئة مناسبة لهم في العمل تقوم على الكفاءة والإنتاجية والتنافسية ليسهم الجميع في تحقيق المصلحة العليا للمجتمع.